الجزء الاخير من تفسير اسماء الله الحسنى
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الجزء الاخير من تفسير اسماء الله الحسنى
الحكم
قال الله تعالى : ( فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ) . وقال تعالى (
وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلا لا مبدل لكلماته ) وقال تعالى : ( إن الله يأمر بالعدل
والإحسان ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله هو الحكم وإليه الحكم ) . وقال تعالى :
( أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً ) . والله سبحانه هو الذي
يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه فلا يظلم مثقال ذرة ولا يحمل أحد وزر
أحد ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه ويؤدي الحقوق إلى أهلها فلا يدعو صاحب حق إلا
وصل إليه حقه وهو العدل في تدبيره وتقديره ، وهو سبحانه موصوف بالعدل في فعله
وأفعاله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة ليس فيها شائبة جور أصلاً فهي كلها
بين الفضل والرحمة وبين العدل والحكمة كما قدمنا وما ينزله سبحانه بالعصاة
والمكذبين من انواع الهلاك والخزي في الدنيا وما أعده لهم من العذاب المهين بالآخرة ،
فإنما فعل بهم ما يستحقونه فإنه لا يأخذ إلا بذنب ولا يعذب إلا بعد إقامة الحجة
وأقواله كلها عدل فهو لا يأمرهم إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة ولا ينهاهم إلا عن
ما مضرته خالصة أو راجحة وكذلك حكمه بين عباده يوم فضل القضاء ووزنه لأعمالهم
عدل لا جور فيه كما قـــــــــال تعالى : ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم
نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين ) وهو سبحانه
الحكم بالعدل في وصفه وفي فعله وفي قوله وفي حكمه بالقسط وهذا معنى قوله : (
إن ربي على صراط مستقيم) فإن أقواله صدق وأفعاله دائرة بين العدل والفضل ، فهي
كل أفعال رشيدة وحكمه بين عباده فيما اختلفوا فيه أحكام عادلة لا ظلم فيها بوجه من
الوجوه وكذلك أحكام الجزاء والثواب والعقاب .
القدوس السلام
قال الله تعالى : ( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام ) . القدوس السلام
معناهما متقاربان فإن القدوس مأخوذ من قدس بمعنى نزهه وأبعده عن السوء مع
الإجلال والتعظيم . والسلام مأخوذ من السلامة فهو سبحانه السالم من مماثلة أحد من
خلقه ومن النقص ومن كل ما ينافي كماله ، فهو المقدس المعظم ، المنزه عن كل سوء
السالم من مماثلة أحد من خلقه ومن النقصان ومن كل ما ينافي كماله فهذا ضابط ما ينزه
عنه ، ينزه عن كل نقص بوجه من الوجوه وينزه ويعظم أن يكون له مثيل أو شبيه أو
كفؤ أو سمي أو ند أو مضاد وينزه عن نقص صفة من صفاته التي هي أكمل الصفات
وأعظمها وأوسعها ومن تمام تنزييه عن ذلك إثبات صفات الكبرياء والعظمه له ، فإن
التنزيه مراد لغيره ومقصود به حفظ كماله عن الظنون السيئة كظن الجاهلية الذين يظنون
به ظن السوء ظن غير ما يليق بجلاله وإذا قال العبد مثنياً على ربه سبحان الله أو تقدس
الله أو تعالى الله ونحوها ، كان مثنياً عليه بالسلامة من كل نقص وإثبات كل كمال .
قال الإمام بن القيم رحمه الله تعالى في اسم السلام ( الله أحق بهذا الإسم من كل مسمى
به لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه فهو السلام الحق بكل اعتبار
والمخلوق سلام بالإضافة فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وهم
وسلام في صفاته من كل عيب ونقص وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم
وفعل واقع على غير وجه الحكمة بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار فعلم أن
استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه وهذا هو حقيقة التنزيه
الذي نزه بها نفسه ونزهه به رسوله فهو السلام من الصاحبة والولد والسلام من النضير
والكفؤ والسمي والمماثل والسلام من الشريك ولذلك إذا نظرت إلى أفراد صفات كماله
وجدت كل صفة سلاماً مما يضاد كمالها فحياته سلام من الموت ومن السنة والنوم وكذلك
قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب وعلمه سلام من عزوب شئ عنه أو عروض
نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة
وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقاً وعدلاً وغناه سلام من الحاجة إلى
غيره بوجه ما بل كل ما سواه محتاج إليه وهو غني عن كل ما سواه وملكه سلام من
منازع فيه أو مشارك أو معاون مظاهر أو شافع عنده بدون إذنه ، وإلاهيته سلام من
مشارك له فيها ، بل هو الله الذي لا إله إلا هو ، وحلمه وعفوه وصفحه ومغفرته
وتجاوزه سلام من أن تكون عن حاجة منه أو ذل أو مصانعة كما يكون من غيره ، بل
هو محض جوده وإحسانه وكرمه ، وكذلك عذابه وانتقامه وشدة بطشه وسرعة عقابه
سلام من أن يكون ظلماً ، أو تشفياً ، أو غلظة أو قسوة بل هو محض حكمته وعدله
ووضعه الأشياء مواضعها ، وهو مما يتحقق عليه الحمد والثناء كما يستحقه على
إحسانه وثوابه ونعمه بل لو وضع الثواب موضع العقوبة لكان مناقضاً لحكمته ولعزته ،
فوضعه العقوبة موضعها هو من عدله ، وحكمته وعزته فهو سلام مما يتوهم أعداؤه
الجاهلون به من خلال حكمته . وقضاؤه وقدرته سلام من العبث والجور والظلم ومن توهم
وقوعه على خلاف الحكمة البالغة ، وشرعه ودينه سلام من التناقض والاختلاف
والاضطراب وخلاف مصلحة العباد ورحمتهم والإحسان إليهم وخلاف حكمته بل شرعه كله
حكمة ، ورحمة ، ومصلحة ، وعدل ، وكذلك عطاؤه سلام من كونه معاوضة أو لحاجة
إلى المعطى ، ومنعه سلام من البخل وخوف الإملاق ، بل عطاؤه إحسان محض لا
لمعاوضة ولا لحاجة ، منعه عدل محض وحكمه لا يشوبه بخل ولا عجز . واستواؤه وعلوه
على عرشه سلام من أن يكون محتاجاً إلى ما يحمله أو يستوى عليه ، بل العرش محتاج
إلى ما يحمله أو يستوي عليه ، بل العرش محتاج إليه وحملته محتاجون إليه ، فهو
الغني عن العرش وعن حملته وعن كل ما سواه ، فهو استواء وعلو لا يشوبه حصر ولا
حاجة إلى عرش ولا غيره ولا إحاطة شئ به سبحانه وتعالى ، بل كان سبحانه ولا عرش
ولم يكن به حاجة إليه وهو الغني الحميد ، بل استواؤه على عرشه واستيلاؤه على
خلقه من موجبات ملكه وقهره من غير حاجة إلى عرش ولا غيره بوجه ما . ونزوله كل
ليلة إلى سماء الدنيا سلام مما يضاد علوه وسلام مما يضاد غناه ، وكماله سلام من كل
ما يتوهم معطل أو مشبه ، وسلام من أن يصير تحت شئ أو محصوراً في شئ ، تعالى
الله ربنا عن كل ما يضاد كماله . وغناه وسمعه وبصره سلام من كل ما يتخيله مشبه أو
يتقوله معطل وموالاته لأوليائه سلام من أن تكون عن ذل كما يوالي المخلوق المخلوق ،
بل هي موالاة رحمة ، وخير وإحسان ، وبر كما قال ( وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً
ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل ) . فلم ينف أن يكون له ولي مطلقاً
بل نفى أن يكون له ولي من الذل . وكذلك محبته لمحبيه وأوليائه سلام من عوارض محبة
المخلوق للمخلوق من كونها محبة حاجة إليه أو تملق له انتفاع بقربه ، وسلام مما يتقوله
المعطلون فيها . وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد فإنه سلام عما يتخيله مشبه أو
بتقوله معطل. فتأمل كيف تضمن اسمه السلام كل ما نزه عنه تبارك وتعالى . وكم ممن
حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان .
الرحمن الرحيم الكريم الأكرم الرؤوف
قال الله تعالى ( الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ) وقال تعالى ( ومن شكر فإنما
يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم ) . وقال سبحانه : ( ويحذركم الله نفسه
والله رءوف بالعباد ). قال العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله
تعالى : الرحمن ، الرحيم ، والبر ، الكريم ، الجواد ، الرءوف ، الوهاب ـ هذه الأسماء
تتقارب معانيها ، وتدل كلها على إتصاف الرب ، بالرحمة والبر والجود والكرم وعلى
سعة رحمته ومواهبه التي عم بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته ، وخص
المؤمنين منها ، بالنصيب الأوفر ، والحظ الأكمل ، قال تعالى ( ورحمتي وسعت كل شئ
فسأكتبها للذين يتقون ) . والنعم والإحسان ، كله من آثار رحمته وجوده ، وكرمه
وخيرات الدنيا والآخرة كلها من آثار رحمته ، وقال بن تيمية رحمه الله في تفسير قوله
تعالى : ( اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم ) سمى ووصف نفسه
بالمكرم ، وبأنه الأكرم بعد أخباره أنه خلق ليتبين أنه ينعم على المخلوقين ويوصلهم
إلى الغايات المحمودة كما قال تعالى : ( الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ) ( ربنا
الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ) ( الذي خلقني فهو يهدين) فالخلق يتضمن الابتداء
والكرم تضمن الانتهاء . كما قال في سورة الفاتحة ( رب العالمين ) ثم قال (الرحمن
الرحيم) ولفظ الكرم جامع للمحاسن والمحامد لا يراد به مجرد الإعطاء من تمام معناه ،
فإن الإحسان إلى الغير تمام المحاسن والكرم كثرة الخير ويسرته .. والله سبحانه أخبر
أنه الأكرم بصيغة التفضل والتعريف لها ، فدل على أنه الأكرم وحده بخلاف ما لو قال
(وربك الأكرم) فإنه لا يدل على الحصر ، وقوله (الأكرم) يدل على الحصر ولم يقل (الأكرم
من كذا ) بل أطلق الاسم ليبين أنه الأكرم مطلقاً غير مفيد فدل على أنه متصف بغاية
الكرم الذي لا شئ فوقه ولا نقص فيه
الفتاح
قال الله تعالى ( قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم ) . الفاتح :
الحاكم والفتاح من أبنية المبالغة . فالفتاح هو الحكم المحسن الجواد ، وفتحه تعالى
قسمان : 1ـ أحدهما : فتحه بحكمه الديني وحكمه الجزائي . 2ـ والثاني : الفتاح بحكمه
القدري ، ففتحه بحكمه الديني هو شرعه على ألسنة رسله جميع ما يحتاجه المكلفون ،
ويستقيمون به على الصراط المستقيم ، وأما فتحه بجزائه فهو فتحه بين أنبيائه
ومخالفتهم وبين أوليائه وأعدائه بإكرام الأنبياء واتباعهم ونجاتهم ، وبإهانة أعدائه
وعقوباتهم وكذلك فتحه يوم القيامة وحكمه بين الخلائق حين يوفى كل عامل ما عمله .
وأما فتحه القدري فهو ما يقدره على عباده من خير وشر ونفع وضر وعطاء ومنع ،
قال تعالى : ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من
بعده وهو العزيز الحكيم ) .فالرب تعالى هو الفتاح العليم الذي يفتح لعباده الطائعين
خزائن جوده وكرمه ، ويفتح على أعدائه ضد ذلك ، وذلك بفضله وعدله.
الرزاق الرازق
وهو مبالغة من : رازق للدلالة على الكثرة والرزاق من أسمائه سبحانه . قال تعالى : ( إن
الله هو الرزاق ) ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ) وقال صلى الله عليه وسلم
( إن الله هو المسعر القابض الباسط ، الرازق ) ورزقه لعباده نوعان : عام وخاص . 1ـ
فالعام إيصاله لجميع الخليقة جميع ما تحتاجه في معاشها وقيامها ، فسهل لها الأرزاق
، ودبرها في أجسامها ، وساق إلى كل عضو صغير وكبير ما يحتاجه من القوت ، وهذا
عام للبر والفاجر والمسلم والكافر ، بل للآدميين والملائكة والحيوانات كلها . وعام أيضاً
من وجه آخر في حق المكلفين ، فإنه يكون من الخلال الذي لا تبعة على العبد فيه ،
وقد يكون من الحرام ويسمى رزقاً ونعمة بهذا الاعتبار ، ويقال (رزقه الله ) سواء ارتزق
من حلال أو حرام وهو مطلق الرزق . 2ـ وأما الرزق المطلق فهو النوع الثاني ، وهو
الرزق الخاص ، وهو الرزق النافع المستمر نفعه في الدنيا والآخرة ، وهو الذي على يد
الرسول صلى الله عليه وسلم وهو نوعان : أ ـ رزق القلوب بالعلم والإيمان وحقائق ذلك ،
فإن القلوب مفتقرة غاية الافتقار إلى أن تكون عالمة بالحق مريدة له متأهلة لله متعبدة
، وبذلك يحصل غناها ويزول فقرها . ب ـ وزرق البدن بالرزق الحلال الذي لا تبعة فيه ،
فإن الرزق الذي خص به المؤمنين والذي يسألونه منهم شامل للأمرين ، فينبغي للعبد
إذا دعا ربه في حصول الرزق أن يستحضر بقلبه هذين الأمرين ، فمعنى (اللهم أرزقني)
أي ما يصلح به قلبي من العلم والهدى والمعرفة ومن الإيمان الشامل لكل عمل صالح
وخلق حسن ، وما به يصلح بدن من الرزق الحلال الهني الذي لا صعوبة فيه ولا تبعة
تعتريه .
الحي القيوم
قال الله تعالى : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) وقال سبحانه ( ألم الله لا إله إلا هو
الحي القيوم ) وقال عز وجل وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلماً .وهما
من أسماء الله الحسنى ، والحي القيوم جمعها في غاية المناسبة كما جمعها الله في
عدة مواضع في كتابه ، وذلك أنهما محتويان على جميع صفات الكمال ، فالحي هو
كامل الحياة ، وذلك يتضمن جميع الصفات الذاتية لله كالعلم والعزة والقدرة والإرادة
والعظمة والكبرياء وغيرها من صفات الذات المقدسة والقيوم هو كامل القيومية وله
معنيان : 1ـ هو الذي قام بنفسه ، وعظمت صفاته واستغنى عن جميع مخلوقاته . 2ـ
وقامت به الأرض والسماوات وما فيهما من المخلوقات ، فهو الذي أجدها وأمدها
وأعدها لكل ما فيه بقاؤها وصلاحها وقيامها ، فهو الغني عنها من كل وجه وهي
التي افتقرت إليه من كل وجه ، فالحي والقيوم من له صفة كل كمال وهو الفعال لما
يريد .
الرب
قال الله تعالى : ( قل أغير الله ابغي رباً وهو رب كل شئ ) . هو : المربي جميع عباده
، بالتدبير ، وأصناف النعم ، وأخص من هذا ، تربيته لأصفيائه ، بإصلاح قلوبهم ،
وأرواحهم وأخلاقهم . ولهذا كثر دعاؤهم له بهذا الاسم لأنهم يطلبون من هذه التربية
الخاصة .
نورالسموات والأرض
قال تعالى ( الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح في زجاجة
الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد
زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء) . وقال صلى الله
عليه وسلم : ( اللهم لك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ..) . وقال صلى الله
عليه وسلم ( إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه
عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت
سبحانه وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه ) . قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي
رحمه الله : من أسمائه جل جلاله ومن أوصافه (النور) الذي هو وصفه العظيم ، فإنه ذو
الجلال والإكرام وذو البهاء والسبحات الذي لو كشف الحجاب عن وجهه الكريم لأحرقت
سبحانه ما انتهى إليه بصره من خلقه ، وهو الذي استنارت به العوالم كلها ، فبنور
وجهه أشرقت الظلمات ، واستنار به العرش والكرسي والسبع الطباق وجميع الأكوان .
والنور نوعان : 1ـ حسي كهذه العوالم التي لم يحصل لها نور إلا من نوره . 2ـ ونور
معنوي يحصل في القلوب والأرواح بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من كتاب الله
وسنة نبيه ، فعلم الكتاب والسنة والعمل بهما ينير القلوب والأسماع والأبصار ، ويكون
نوراً للعبد في الدنيا والآخرة (يهدي الله لنوره من يشاء ) لما ذكر أنه نور السماوات
والأرض وسمى الله كتابه نوراً ورسوله نوراً. ثم أن ابن القيم رحمه الله حذر من اغترار من
اغتر من أهل التصوف ، الذين لم يفرقوا بين نور الصفات وبين أنوار الإيمان والمعارف ،
فإنهم لما تألهوا وتعبدوا من غير فرقان وعلم كامل ، ولاحت أنوار التعبد في قلوبهم ،
لأن العبادات لها أنوار في قلوبهم ، لأن العبادات لها أنوار في القلوب فظنوا هذا النور
هو نور الذات المقدسة ، فحصل منهم من الشطح والكلام القبيح ما هو أثر هذا الجهل
والاغترار والضلال ، وأما أهل العلم والإيمان والفرقان فإنهم يفرقون بين نور الذات
والصفات وبين النور المخلوق الحسي منه والمعنوي ، فيعترفون أن نور أوصاف البارئ
ملازم لذاته لا يفارقها ولا يحل بمخلوق ، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ،
وأما النور المخلوق فهو الذي تتصف به المخلوقات بحسب الأسباب والمعاني القائمة بها
والمؤمن إذا كمل إيمانه أنار الله قلبه ، فانكشفت له حقائق الأشياء ، وحصل له فرقان
يفرق به بين الحق والباطل ، وصار هذا النور هو مادة حياة العبد وقوته على الخير علماً
وعملاً ، وانكشفت عنه الشبهات القادحة في العلم واليقين ، والشهوات الناشئة عن
الغفلة والظلمة ، وكان قلبه نوراً وكلامه نوراً وعمله نوراً ، والنور محيط به من جهاته ،
والكافر ، أو المنافق ، أو المعارض ، أو المعرض الغافل كل هؤلاء يتخبطون في
الظلمات ، كل له من الظلمة بحسب ما معه من موادها وأسبابها والله الموفق وحده
الله
هو المألوه المعبود ، ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين ، لما اتصف به من صفات
الألوهية التي هي صفات الكمال .
الملك المليك مالك الملك
قال الله تعالى : ( فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) . وقال تعالى :
( في مقعد صدق عند مليك مقتدر ) ( قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع
الملك ممن تشاء وتعز من نشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شئ قدير ) .
فهو الموصوف ، بصفة الملك ، وهي صفات العظمة والكبرياء ، والقهر والتدبير ، الذي له
التصرف المطلق ، في الخلق والأمر والجزاء . وله جميع العالم ، العلوي والسفلي ، كلهم
عبيد ومماليك ، ومضطرون إليه . فهو الرب الحق ، الملك الحق ، الإله الحق ، خلقهم
بربوبيته ، وقهرهم بملكه ، واستعبدهم بالإهيته فتأمل هذه الجلالة وهذه العظمة التي
تضمنتها هذه الألفاظ الثلاثة على أبدع نظام ، وأحسن سياق ، رب الناس ملك الناس إله
الناس وقد اشتملت هذه الإضافات الثلاث على جميع قواعد الإيمان وتضمنت معاني
أسمائه الحسنى ، أما تضمنها لمعاني أسمائه الحسنى فإن (الرب) : هو القادر ، الخالق
، البارئ ، المصور ، الحي ، القيوم ، العليم ، السميع ، البصير ، المحسن ، المنعم ،
الجواد ، المعطي ، المانع ، الضار ، النافع ، المقدم المؤخر ، الذي يضل من يشاء ،
ويهدي من يشاء ، ويسعد من يشاء ، ويشقى ويعز من يشاء ، ويشقى ويعز من يشاء
، ويذل من يشاء ، إلى غير ذلك من معاني زبوبيته التي له منها ما يستحقه من الأسماء
الحسنى . وأما (الملك ) فهو الأمر ، الناهي ، المعز ، المذل ، الذي يصرف أمور عباده
كما يجب ، ويقلبهم كما يشاء ، وله من معنى الملك ما يستحقه من الأسماء الحسنى
كالعزيز ، الجبار ، المتكبر ، الحكم ، العدل ، الخافض ، الرافع ، المعز ، المذل ، الخافض
، الرافع ، المعز ، المذل ، العظيم ، الجليل ، الكبير ، الحسيب ، المجيد ، الوي ،
المتعالي ، مالك الملك ، المقسط ، الجامع ، إلى غير ذلك من الأسماء العائدة إلى الملك .
وأما (الإله) : فهو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال فيدخل في هذا الاسم جميع
الأسماء الحسنى ولهذا كان القول الصحيح إن الله أصله الإله كما هو قول سيبويه
ومهور أصحابه إلا من شذ منهم وإن اسم الله تعالى هو الجامع لجميع معاني الأسماء
الحسنى والصفات العلى فقد تضمنت هذه الأسماء الثلاثة جميع معاني أسمائه الحسنى
فكان المستعيذ بها جديراً بأن يعاذ ويحفظ ويمنع من الوسواس الخناس ولا يسلط عليه .
وإذا كان وحده هو ربنا ، وملكنا ، وإلهنا ، فلا مفزع لنا من الشدائد سواء ، ولا ملجأ لنا
منه إلا إليه ، ولا معبود لنا غيره فلا ينبغي أن يدعى ، ولا يخاف ، ولا يرجى ، ولا يحب
سواء ، ولا يذل لغيره ، ولا يخضع لسواء ، ولا يتوكل إلا عليه لأن من ترجوه ، وتخافه ،
وتدعوه ، وتتوكل عليه إما أن يكون مربيك والقيم بأمورك ومتولي شأنك وهو ربك فلا
رب سواه ، أو تكون مملوكه وعبده الحق فهو ملك الناس حقاً وكلهم عبيده ومماليكه ،
أو يكون معبودك وإلهك الذي لا تستغني عنه طرفه عين بل حاجتك إليه أعظم من
حاجتك إلى حياتك ، وروحك ، وهو الإله الحق إله الناس الذي لا إله لهم سواه فمن كان
ربهم وملكهم ، وإلههم فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره ، ولا يستنصروا بسواه ، ولا
يلجؤا إلى غير حماه فهو كافيهم ، وحسبهم ، وناصرهم ووليهم ، ومتولي أمورهم
جميعاً بربوبيته ، وملكه ، وإلهيته لهم . فكيف لا يلتجئ العبد عند النوازل ونزول عدوه
به إلى ربه ومالكه وإلهه .
الخالق البارىء المصور الخلاّق
خلق جميع الموجودات وبرأها ، وسواها بحكمته ، وصورها بحمده وحكمته ،الذي قال
وهو لم يزل ولا يزال على هذا الوصف العظيم . الله تعالى : ( هو الله الخالق البارئ
المصور له الأسماء الحسنى ) ( إن ربك هو الخلاق العليم
المؤمن
الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال ، وبكمال الجلال والجمال ، الذي أرسل رسله ،
وأنزل كتبه بالآيات والبراهين ، وصدق رسله بكل آية وبرهان ، يدل على صدقهم وصحة
ما جاءوا به .
المهيمن
المطلع على خفايا الأمور ، خبايا الصدور ، الذي أحاط بكل شئ علماً ، وقال البغوي :
الشهيد على عباده بأعمالهم وهو قول ابن عباس ومجاهد وغيرهما يقال : هيمن يهيمن
فهو مهيمن إذا كان رقيباً على الشي .
المحيط
قال الله تعالى : ( ولله ما في السموات وما في الأرض بكل شئ محيطاً) وقال عز وجل (
وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط ) . وهو الذي أحاط
بكل شئ علماً ، وقدره ورحمة،وقهراً وقد أحاط علمه بجميع المعلومات ، وبصره بجميع
المبصرات ، وسمعه بجميع المسموعات ، ونفذت مشيئته وقدرته بجميع الموجودات ،
ووسعت رحمته أهل الأرض والسموات ، وقهر بعزته كل مخلوق ودانت له جميع الأشياء .
المقيت
قال الله تعالى : ( وكان الله على كل شئ مقيتاً ) فهو سبحانه الذي أوصل إلى كل
موجود ما به يقتات ، وأوصل إليها أرزاقها وصرفها كيف يشاء ، بحكمته وحمده . قال
الراغب الأصفهاني : القوت ما يمكن الرمق وجمعه: أقوات قال الله تعالى : ( وقدر فيها
أقواتها ) وقاته يقوته قوتاً : أطعمه قوته ، وأقاته يقته جعل له ما يقوته وفي الحديث
(كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت) قال تعالى : ( وكان الله على كل شئ مقيتاً )
قبل : مقتدراً ، وقيل : شاهداً ، وحقيبته قائماً عليه يحفظه ويقيته ، وقال في القاموس
المحيط : المقت : الحافظ للشئ ، والشاهد له والمقتدر ، كالذي يعطي كل أحد قوته ،
وقال بن عباس رضي الله عنهما : مقتدراً أو مجازياً ، وقال مجاهد : شاهداً وقال قتادة
حافظاً وقيل : معناه على كل حيوان مقيتاً : أي يوصل القوت إليه ، وقال ابن كثير (
وكان الله على كل شئ مقيتاً ) أي حفيظاً ، وقال مجاهد : شهيداً ، وفي رواية عنه :
حسيباً ، وقيل : قديراً ، وقيل : المقيت الرازق ، وقيل مقيت لكل إنسان بقدر عمله .
الوكيل
قال الله تعالى : ( الله خالق كل شئ وهو على كل شئ وكيل ) فهو سبحانه المتولي
لتدبير خلقه ، بعلمه ، وكمال قدرته ، وشمول حكمته ، الذي تولى أوليائه ، فيسرهم
لليسرى ، وجنبهم العسرى ، وكفاهم الأمور . فمن اتخذه وكيلاً كفاه ( الله ولي الذين
آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ) .
ذو الجلال والإكرام
أي : ذو العظمة والكبرياء ، وذو الرحمة ، والجود ، والإحسان العام والخاص. المكرم
لأوليائه وأصفيائه ، الذين يجلونه ، ويعظمونه ، ويحبونه ، قال الله تعالى : ( تبارك اسم
ربك ذي الجلال والإكرام ) .
جامع الناس ليوم لاريب فيه
قال الله تعالى : ( ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد) فالله
سبحانه وتعالى هو جامع الناس وجامع أعمالهم وأرزاقهم ، فلا يترك منها صغيرة ولا
كبيرة إلا أحصاها . وجامع ما تفرق واستحال من الأموات الأولين والآخرين ، بكمال
قدرته ، وسعة علمه .
الحق
الله عز وجل هو الحق في ذاته وصفاته . فهو واجب الوجود ، كامل الصفات والنعوت ،
وجوده من لوازم ذاته . ولا وجود لشئ من الأشياء إلا به فهو الذي لم يزال ، بالجلال ،
والجمال ، والكمال موصوفاً . ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفاً . فقوله حق ، وفعله ،
حق ، ولقاؤه حق ، ورسله حق ، وكتبه حق ، ودينه هو الحق ، وعبادته وحده لا شريك
له ، هي الحق ، وكل شئ ينسب إليه ، فهو حق . (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون
من دونه هو الباطل ، وأن الله هو العلي الكبير) . ( وقل الحق من ربكم ، فمن شاء
فليؤمن ومن شاء فليكفر ) (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال ) (وقل جاء
الحق وزهق الباطل ، إن الباطل كان زهوقاً) وقال الله تعالى ( يومئذ يوفيهم الله دينهم
الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين) فأوصافه العظيمة حق ، وأفعاله هي الحق ،
وعبادته هي الحق ، ووعده حق ، ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه .
الجميل
صلى الله عليه وسلم ( إن الله جميل يحب الجمال) فهو سبحانه جميل بذاته ، وأسمائه ،
وصفاته ، وأفعاله ، فلا يمكن مخلوقاً أن يعبر عن بعض جمال ذاته ، حتى أن أهل
الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم واللذات والسرور والأفراح التي لا يقدر قدرها إذا
رأوا ربهم وتمتعوا بجماله نسوا ما هم فيه من النعيم ، وتلاشى ما هم فيه من الأفراح ،
وودوا أن لو تدوم هذه الحال ، واكتسبوا من جماله ونوره جمالاً إلى جمالهم ، وكانت
قلوبهم في شوق دائم ونزوع إلى رؤية ربهم ويفرحون بيوم المزيد فرحاً تكاد تطير له
القلوب ، وكذلك هو الجميل في أسمائه ، فإنها كلها حسنى بل أحسن الأسماء على
الإطلاق وأجملها ، قال تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها ) وقال تعالى (هل
تعلم له سمياً ) فكأنها دالة على غاية الحمد والمجد والكمال ، لا يسمى باسم منقسم إلى
كمال وغيره ، وكذلك هو الجميل في أوصافه ، فإن أوصافه كلها أوصاف كمال
ونعوت ثناء وحمد ، فهي أوسع الصفات وأعمها وأكثرها تعلقاً ، خصوصاً أوصاف
الرحمة ، والبر ، والكرم ، والجود ، وكذلك أفعاله كلها جميلة ، فإنها دائرة بين أفعال
البر والإحسان التي يحمد عليها ويثني عليه ويشكر ، وبين أفعال العدل التي يحمد
عليها لموافقتها للحكمة والحمد ، فليس في أفعاله عبث ، ولا سفه ، ولا سدى ، ولا ظلم
، كلها خير ، وهدى ورحمة ، ورشد ، وعدل ( إن ربي على صراط مستقيم) فلكماله الذي
لا يحصى أحد عليه به ثناء كملت أفعاله كلها فصارت أحكامه من أحسن الأحكام ،
وصنعه وخلقه أحسن خلق وصنع : أتقن ما صنته (صنع الله الذي أتقن كل شئ) وأحسن
ما خلقه (الذي أحسن كل شئ خلقه) ( ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون) والأكوان
محتوية على أصناف الجمال ، وجمالها من الله تعالى فهو الذي كساها الجمال
وأعطاها الحسن ، فهو أولى منها لأن معطي الجمال أحق بالجمال ، فكل جمال في
الدنيا والآخرة باطني وظاهري خصوصاً ما يعطيه المولى لأهل الجنة من الجمال المفرط
في رجالهم ونسائهم ، فلو بدأ كف واحدة من الحور العين إلى الدنيا ، لطمس ضوء
الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم ، أليس الذي كساهم ذلك الجمال الذي ليس كمثله
شئ فهذا دليل عقلي واضح مسلم المقدمات على هذه المسألة العظيمة وعلى غيرها من
صفاته ، قال تعالى (ولله المثل الأعلى) فكل ما وجد في المخلوقات من كمال لا يستلزم
نقصاً ، فإن معطيه وهو الله أحق به من المعطي بما لا نسبة بينه وبينهم ، كما لا نسبة
لذواتهم إلى ذاته وصفاتهم إلى صفاته ، فالذي أعطاهم السمع والبصر والحياة والعلم
والقدرة والجمال أحق منهم بذلك ، وكيف يعبر أحد عن جمــاله وقــد قال أعلم الحق به :
( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنين على نفسك) . (وقال صلى الله عليه وسلم وحجابه
النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) فسبحان الله وتقدس
عما يقولوه الظالمون النافون لكماله علواً كبيراً ، وحسبهم مقتاً وخساراً أنهم حرموا من
الوصول إلى معرفته والابتهاج بمحبته . قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح
(لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله ، يجعلون له الولد وهو يعافيهم ويرزقهم) وقال
أيضاً في الصحيح : قال الله تعالى : ( كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك . وشتمني ابن آدم
ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه إياي فقوله : لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق
بأهون على من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله إن لي ولداً وأنا الأحد الصمد الذي لم
يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد ) . فالله تعالى يدر على عباده الأرزاق المطيع منهم
والعاصي ، والعصاة لا يزالون في محاربته وتكذيبه وتكذيب رسله والسعي في إطفاء
دينه ، والله تعالى حليم على ما يقولون وما يفعلون ، يتتابعون في الشرور وهو يتابع
عليهم النعم وصبره أكمل صبر لأنه عن كمال قدرة وكمال غنى عن الخلق وكمال رحمة
وإحسان ، فتبارك الرب الرحيم الذي ليس كمثله شئ الذي يحب الصابرين ويعينهم في
كل أمرهم
الحميد
قال الله تعالى : ( يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) . ذكر ابن
القيم رحمه الله أن الله حميد من وجهين : أحدهما : أن جميع المخلوقات ناطقة بحمده ،
فكل حمد وقع من أهل السموات والأرض الأولين منهم والآخرين ، وكل حد يقع منهم في
الدنيا والآخرة ، وكل حد لم يقع منهم بل كان مفروضاً ومقدراً حيثما تسلسلت الأزمان
واتصلت الأوقات ، حمداً يملأ الوجود كله العالم العلوي والسفلي ، ويملأ نظير الوجود من
غير عد ولا إحصاء ، فإن الله تعالى مستحقة من وجوه كثيرة : منها أن الله هو الذي
خلقهم ، ورزقهم ، وأسدى عليهم النعم الظاهرة والباطنة ، الدينية والدنيوية ، وصرف
عنهم النقم والمكاره ، فما بالعباد من نعمة فمن الله ، ولا يدفع الشرور إلا هو ،
فيستحق منهم أن يحمدوه في جميع الأوقات ، وأن يثنوا عليه ويشكروه بعدد
اللحظات . الوجه الثاني : أنه يحمد على ما له من الأسماء الحسنى والصفات الكاملة
العليا والمدائح والمحامد والنعوت الجليلة الجميلة ، فله كل صفة كمال وله من تلك الصفة
أكملها وأعظمها ، فكل صفة من صفاته يستحق عليها أكمل الحمد والثناء ، فكيف
بجميع الأوصاف المقدسة ، فله الحمد لذاته ، وله الحمد لصفاته ، وله الحمد لأفعاله ، لأنها
دائرة بين أفعال الفضل والإحسان ، وبين أفعال العدل والحكمة التي يستحق عليها
كمال الحمد ، وله الحمد على خلقه ، وعلى شرعه ، وعلى أحكامه القدرية ، وأحكامه
الشرعية ، وأحكام الجزاء في الأولى والآخرة ، وتفاصيل حمده وما يحمد عليه لا تحيط
بها الأفكار ، ولا تحصيها الأقلام
الحليم
قال الله تعالى : ( واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفور
حليم ) . الذي يدر على خلقه ، النعم الظاهرة الباطنة ، مع معاصيهم وكثرة زلاتهم ،
فيحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم . ويستعتبهم كي يتوبوا ، ويمهلهم كي ينيبوا وهو
الذي له الحلم الكامل الذي وسع أهل الكفر والفسوق ،والعصيان حيث أمهلهم ولم
يعاجلهم بالعقوبة ليتوبوا ولو شاء لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم ، فإن الذنوب
تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة ولكن حلمه سبحانه هو الذي
اقتضى إمهالهم كما قال تعالى ( ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها
من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا) .
وقال تعالى : ( ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى
أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) .
البر الوهاب
قال الله تعالى ( إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم ) وقال سبحانه ( ربنا لا تزغ
قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب ) . من أسمائه تعالى (البر
الوهاب) الذي شمل الكائنات بأسرها ببره وهباته وكرمه ، فهو مولى الجميل ودائم
الإحسان وواسع المواهب ، وصفة البر وآثار هذا الوصف جميع النعم الظاهرة والباطنة ،
فلا يستغني مخلوق عن إحسانه وبره طرفة عين . وإحسانه عام وخاص : 1ـ فالعام
المذكور في قوله : ( ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلماً ) ( ورحمتي وسعت كل شئ )
وقال تعالى : ( وما بكم من نعمة فمن الله ) وهذا يشترك فيه البر والفاجر وأهل السماء
وأهل الأرض والمكلفون وغيرهم . 2ـ والخاص رحمته ونعمه على المتقين حيث قال : (
فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذي يتبعون الرسول
النبي الأمي) وقال ( إن رحمة الله قريب من المحسنين) وفي دعاء سليمان ( وأدخلني
برحمتك في عبادك الصالحين ) وهذه الرحمة الخاصة التي يطلبها الأنبياء واتباعهم ،
تقتضي التوفيق للإيمان ، والعلم والعمل ، وصلاح الأحوال كلها ، والسعادة الأبدية ،
والفلاح والنجاح ، وهي المقصود الأعظم لخواص الخلق ، وهو سبحانه المتصف بالجود ،
وهو كثرة التفضل والإحسان ، وجوده تعالى أيضاً نوعان: 1ـ جود مطلق عم جميع
الكائنات وملأها من فضله وكرمه ونعمه المتنوعة. 2ـ وجود خاص بالسائلين بلسان
المقال أو لسان الحال من بر وفاجر ومسلم وكافر ، فمن سال الله أعطاه سؤله وأناله
ما طلب فإنه البر الرحيم ( وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون ) .
ومن جوده الواسع ما أعده لأوليائه في دار النعيم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا
خطر على قلب بشر.
الواحد الأحد
قال الله تعالى : ( قل هو الله أحد ) وقال سبحانه ( قل الله خالق كل شئ وهو الواحد
القهار ) . وهو الذي توحد بجميع الكمالات ، بحيث لا يشاركه فيه مشارك . ويجب على
العبد توحيده ، عقداً وقولاً وعملاً ، بأن يعترفوا بكماله المطلق وتفرده بالوحدانية
ويفردوه بأنواع العبادة . والأحد ، يعني : الذي تفرد بكل كمال ، ومجد وجلال وجمال
وحمد وحكمه ورحمة وغيرها من صفات الكمال . فليس له فيها مثيل ولا نظير ، ولا
مناسب بوجه من الوجوه ، فهو الأحد في حياته وقيوميته ، وعلمه وقدرته ، وعظمته
وجلاله ، وجماله وحمده ، وحكمته ، ورحمته ، وغيرها من صفاته ، موصوف بغاية
الكمال ونهايته ، من كل صفة من هذه الصفات . ومن تحقيق أحديته وتفرده بها أنه
(الصمد) أي : الرب الكامل ، والسيد العظيم، الذي لم يبق صفة كمال إلا اتصف بها ،
ووصف بغايتها وكمالها ، بحيث لا تحبط إلا اتصف بها ، ووصف بغايتها وكمالها ، بحيث
لا تحيط الخلائق ببعض تلك الصفات بقلوبهم ، ولا تعبر عنها ألسنتهم.
المتكبر
قال الله تعالى : ( هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز
الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون ) . فهو سبحانه المتكبر عن السوء ، والنقص
والعيوب ، لعظمته وكبريائه .
الكافي
قال الله تعالى ( أليس الله بكاف عبده) . فهو سبحانه الكافي عباده جميع ما يحتاجون
ويضطرون إليه . الكافي كفاية خاصة ، من أمن به ، وتوكل عليه ، واستعد منه حوائج
دينه ودنياه .
الواسع
قال الله تعالى ( والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم) فهو سبحانه وتعالى
واسع الصفات ، والنعوت ، ومتعلقاتها ، بحيث لا يحصي أحد ثناء عليه ، بل هو كما
أثنى على نفسه . واسع العظمة ، والسلطان ، والملك ، واسع الفضل ، والإحسان ،
عظيم الجود والكرم
الإله
هو الجامع لجميع صفات الكمال ونعوت الجلال ، فق دخل في هذا الاسم جميع الأسماء
الحسنى ، ولهذا كان القول الصحيح أن (الله) أصله (الإله) وأن اسم (الله) هو الجامع
لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلى والله أعلم . قال الله تعالى ( إنما الله إله واحد
سبحانه أن يكون له ولد له ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا
اتمنى ان تنال رضاكم و اعجابكم وان بانتظار ردودكم
رحيل- عدد المساهمات : 98
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 30/09/2009
مواضيع مماثلة
» تفسير حديث ( لو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين )
» حصريا : مع الاصدار الاخير لعملاق الحمايةNorton 2010 17.0.0.136 Final وعلى أكثر من سيرفر
» الله اكبر .الله اكبر.. الله اكبر لا اله الا الله
» ان الله يحبك..
» هل تريد ان يشتاق الله لك ؟؟
» حصريا : مع الاصدار الاخير لعملاق الحمايةNorton 2010 17.0.0.136 Final وعلى أكثر من سيرفر
» الله اكبر .الله اكبر.. الله اكبر لا اله الا الله
» ان الله يحبك..
» هل تريد ان يشتاق الله لك ؟؟
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى